المدونة

أطفالنا وثقافة الاعتذار

Mom with Daughter

ثقافة الاعتذار لدى اطفالنا

منذ أن خُلق الانسان وهو يقع في الخطأ سهواً وعمداً، وهذا من مُنطلق فطرته المجبولة على الخير والشر والصواب والخطأ، فقد يتخلل حياته الكثير من المشاحنات و التخاصم والقصور مع الآخرين. الاعتذار هو الوسيلة التي تعيد المودة والتألف بين الناس بعد ذلك، فأصبحت الحاجة للاعتذار ملحة لتنمية العلاقات والرقي ببشريتنا، والنبي صلى الله عليه وسلم، كان قدوة رائعة في الاعتذار، طلباً لتطييب القلوب وجبراً للخواطر، وقد جاء عنه من حديث المهاجر بن قنفذ: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، فقال: “إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر”، فهذه أخلاقه وسمو مقامه ورفعة مكانته ، وقد وردت فضيلة الاعتذار في القرآن الكريم أيضاً ومن ذلك قوله تعالى: (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون)، .[المرسلات: ٣٥] لذلك يعتبر الاعتذار ثقافة راقية وخُلق عظيم لا يعرفه إلا النبلاء الذين يتحلون بالشجاعة غياب.

والاعتراف بالخطأ فضيله وخصلة حميدة يجهل أثرها ومعناها الكثير لذلك يجد البعض منا صعوبة بالغة في الاعتذار ويرون أنه من الضعف والوهن والاستسلام، حتى لو كان ذلك .على حساب انهاء بعض العلاقات  لذلك أصبحت ثقافة الاعتذار في مجتمعاتنا شبه .غائبة، وهذا اسوء ماقد تتوارثه الأجيال عدم تحمل مسؤولية اخطأهم

ويعتبر المربي هو المسؤول الأول عن غياب هذه الثقافة، فلو تربت الأجيال السابقة على هذا الأمر لسادت هذه الثقافة وعُمِل بها، لذلك يجب تنمية ثقافة الاعتذار مُنذ الصغر وتنميتها في كل طفل، فثقافة الاعتذار لاتنتشر في يوم وليلة، بل هي تنشأ من السنوات .الأولى للطفل وتعويده عليها

تأثير المحيط الاسري على غياب ثقافة الاعتذار

لذلك يحتاج الطفل إلى بناء تربوي على مجموعة من القيم والآداب والفضائل، التي تكبُر معه، وهذا الدور يقع على عاتق الأسرة أولاً، فيلعب محيط الطفل  العائلي و مدى انسجامه مع المجتمع بصورة عامة، في تكوين ذهنية الطفل ونظرته إلى الآخرين، وأسلوب تعامل أفراد العائلة الواحدة فيما بينهم، كالعلاقة بين الأم والأب، وعلاقتهما ببقية أفراد العائلة، وموقف كل واحد منهما تجاه الآخر، وطريقة تصفية الحسابات بينهم، وغير ذلك من الأمور التي تؤثر في بلورة الأخلاق عند الطفل دوراً كبيراً في تكوين ثقافة الاعتذار، لذلك نجد الطفل الذي ينشأ في جو أسري غير سليم ينتهج عدم الاعتذار عند الخطأ، يتأثر بذلك، وخصوصاً حين يمارس والديه معه أسلوب التعالي أو الانتقاص أو الذم والتقبيح، فلا يعتذر منه حين يخطئ بحقه، أو حين يشاهد معاملة أحد الوالدين للآخرين على نحو مسيء ودون اعتذار

آساليب بناء ثقافة الاعتذار عند الأطفال 

وحتى يتعلم الطفل ثقافة الاعتذار وينتهجها، ليكون قادراً على إيجاد شخصية منفتحة، وقوية، ولبناء مجتمع موحد، ومترابط، ومتسامح، يؤمن بثقافة الاعتذار، واحترام الآخر، هناك عدد من الآساليب المُساعدة:

أولاً: القدوة فعلى الوالدين الاعتذار للطفل عند التعرض إلى بعض المواقف التي تتطلب ذلك، حتى يقلدهم الطفل لأن ذلك يحثه على الاعتذار للآخرين عند الخطأ، وأيضا كي يشعر الطفل بأن والديه بشر مثله يخطئون ويصيبون مما يجعله يحاول إصلاح أخطائه بطريقة فاعلة بدلاً من الحلول الإرضائية، ويكون الاعتذار له درس عملي حتى يعلم بأن ثقافة الاعتذار يطبقها كل من يحترم ذاته ومن يحب

ثانياً: أسلوب القصة، فعلى الوالدين ذكر القصص التي تحمل مبادئ وقيم تربوية ، تبين للطفل أهمية الاعتذار ، وأهمية قبوله من الآخرين

ثالثاً: أسلوب الحوار: ويعتبر أسلوب الحوار من الأساليب المهمة، وخصوصا ً لأنه يعمل على مخاطبة العقل والوجدان معاً، فالتحاور يدفع الطفل إلى التفكير العميق، والملاحظة والاستنتاج. وهو يحترم الذات الإنسانية للأبناء، فلا يفرض عليهم أفكار الآخرين  وتجاربهم، بل يترك تلك الخبرات تنمو معهم

رابعاً: أسلوب الترغيب والترهيب: فالترغيب يكون بتعليم الطفل فضل الاعتذار وفوائده على الفرد والمجتمع، وأن المسلم الحق هو من يتراجع عن خطئه بالاعتراف به وطلب العفو. والترهيب يكون ببيان ما يترتب على عدم العفو والمكابرة من آثار سيئة

خامساً: التربية بالحدث: فعند وقوع خطأ من شخص، واعتذاره من الآخر حتى في المواقف البسيطة مثل: التلامس اثناء المشي، يوضح الوالدين للطفل أن هذا الشخص شجاع وواثقٌ من نفسه لذلك يعتذر للآخرين

سادساً: التربية باللعب وهي المفضلة لدى الأطفال والأكثر رسوخاً في عقولهم وتكون بمشاركة الطفل في لعبه، وذلك بأخذ أحد الأدوار واللعب التمثيلي؛ لكي يكتسب الطفل مجموعة من المهارات كمهارة تبادل الحقوق والواجبات والأخذ والعطاء، ومن الممكن أن يختلق الوالدين المواقف والأدوارالتي تتطلب منه أن يعتذر من الطفل ويعتذر منه فعلا ً، فبذلك يغرس في نفس الطفل أهمية الاعتذار وآثاره الإيجابية على الطرف المقابل، وألا يخدش الكبرياء ولا يذل النفس بطريقة عملية، ويعكس الموقف أيضا في أحداث مصطنعة أخرى فيطلب من الطفل أن يعتذر، وبذلك يستطيع أن يراقب انفعالات الطفل وتوجهاته ويعمل على تعديلها دون أن يشعره بذلك. 

والأهم هو التدرج في تعليم الطفل الاعتذار وعدم إجباره على ذلك، و توضيح أن الاعتذار لا يتمثل في كلمة آسف فقط بل بإصلاح الخطأ أيضاً وجبر قلوب الآخرين، حتى ينشأ جيل مُتعاطف يراعي مشاعر الآخرين و يتحمل مسؤولية أخطأه ويعلم كيف يتعامل .معها، جيلٌ يعلم بأن الاعتذار هو قمة الشجاعة و الثقة بالنفس والرقي

اترك تعليقاً